الأحد، 19 يوليو 2009

شرفاء ديوان المحاسبة... والضابط بودي!

مؤسف جداً أن مصير مَن يعمل من أجل الوطن والحفاظ على المال العام، هو التجميد والمحاربة! ومحزن جداً هذا الصمت النيابي الرهيب تجاه ما يتعرض له كل مسؤول لم يقترف ذنباً، سوى أنه كان ولايزال نزيهاً وشريفاً!
عبدالعزيز اليحيى نموذج للموظف النزيه الحريص على مصلحة بلده، وقبل ذلك وبعده هو مواطن صالح لم يرضَ أن يكتم شهادة الحق، فكشف الكثير من التجاوزات التي سجلها ديوان المحاسبة على بعض المشاريع التي شكلت هدراً واستباحةً للمال العام.
ولأننا في بلد أوضاعه معكوسة، بل مقلوبة رأساً على عقب، تمت محاربة اليحيى والتضييق عليه حتى أُحيل إلى التقاعد، بدلاً من مكافأته وترقيته، وهي رسالة واضحة من وجهة نظري، لكل مواطن شريف يعمل بضمير بأن هذا هو مصيره المحتوم، فالتجميد أو الإقالة، أو ربما تلفيق التهم وتشويه السمعة، ستكون نهاية كل مَن يخلص في عمله، خصوصاً في بعض الإدارات والقطاعات الحساسة كديوان المحاسبة وهيئة الاستثمار والفتوى والتشريع، على سبيل المثال لا الحصر.
ما حدث لليحيى وإحسان عبدالله، وما سيحدث لاحقاً لحنان الغرير، في ديوان المحاسبة، يتطلب فزعة نيابية لرفع الظلم عنهم، فزعة تعيد الثقة إلينا كمواطنين بأن هناك مَن يدافع عن شرفاء هذا البلد، الذين وقفوا في وجه المتنفذين، لأن السكوت على ما يجري لهم يخلق أجواءً من الإحباط واليأس، وربما الخوف أيضاً، لدى موظفين ومسؤولين على شاكلتهم في مؤسسات ووزارات الدولة الأخرى، وهو ما قد يحوِّل الفساد إلى قاعدة، والنزاهة إلى استثناء.
اليحيى وإحسان والغرير تلاميذ تخرجوا في مدرسة الراحل الكبير براك المرزوق، وهي المدرسة التي يتم حالياً تصفية ومحاربة جميع خريجيها في ديوان المحاسبة منذ غياب الأب الروحي لهم، فوقف مشروع 'المصفاة الرابعة'، والـ'داو كيمكالز'، وكشف تجاوزات 'خطة طوارئ 2007'، أزعجت المتنفذين، والمنتفعين الذين يقتاتون على فتات تلك المشاريع، وبما أن الثلاثة كانوا وراء تلك القضايا، فإن بقاءهم في ديوان المحاسبة سيشكل خطراً على مؤسسة الفساد التي بدأت تصفيتهم واحداً تلو الآخر.
مؤسف جداً أن مصير مَن يعمل من أجل الوطن والحفاظ على المال العام، هو التجميد والمحاربة!
ومؤلم جداً موقف النائبين محمد المطير وحسين الحريتي في اجتماع اللجنة المالية، عندما وافقا على إحالة اليحيى إلى التقاعد من دون الاستماع إلى وجهة نظره! ومحزن جداً هذا الصمت النيابي الرهيب تجاه ما يتعرض له كل مسؤول لم يقترف ذنباً، سوى أنه كان ولايزال نزيهاً وشريفاً. هذا الوضع ليس حصراً على موظفي الدولة المدنيين، فالعسكريون ينالهم جانباً أيضاً من هذا التهميش وعدم التقدير.
من منكم سمع باسم عبدالرزاق بودي؟ دعوني أروي لكم هذه القصة، في انتخابات عام 2003 كان بودي ضابطاً في مقتبل حياته العملية، يتقد حماساً لخدمة بلده، يومها لاحظ أن عمليات شراء الأصوات في منطقة خيطان تتم في حمامات المدارس، فطلب إذناً من النيابة للمداهمة، لم يُستجب إلى طلبه، بل صدرت إليه الأوامر بالابتعاد عن أماكن الاقتراع، لكن حسه الوطني فرض عليه إبقاء بعض سيارات الشرطة بالقرب من المدارس لتخويف الشاري والبائع على الأقل بعد إدراكه بوجود 'إنَّ' في الموضوع، في اليوم التالي تم تأنيبه على تصرفه من قبل مسؤوليه وتم نقله من مقر عمله.
الضابط بودي لم يفقد حماسه ولم يتسلل إليه اليأس، فكان مهندس عملية القبض على تاجر المخدرات الباكستاني ناصر نواز قبل أكثر من عام، وهي العملية التي كاد أن يفقد حياته خلالها، وتشاء المصادفات أن يقبض بودي أيضا على التاجر إياه في جليب الشيوخ قبل أيام بعد أن تمكن من الفرار من مستشفى البحر للعيون.
على كلٍ، حتى لو تمت مكافاة عبدالرزاق بودي على جهوده، فإنها مكافأة لن ترقى أو تصل إلى تلك الملايين الخمسة التي أخذت من المال العام ومنحت لبعض المتنفذين لزيادة أرصدتهم من أموال الشعب التي يتمتعون بها الآن في ربوع أوروبا، بينما بودي يواجه المخاطر في أزقة خيطان ودهاليز جليب الشيوخ من أجل توفير الأمن لنا ولأبنائنا... ألم أقل لكم إن أوضاع بلدنا مقلوبة!
سعد العجمي - جريدة الجريدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق